الادّخار عند الحيوان
الادّخار غريزة شائعة عند كثير من الحيوانات، فالثعلب يصطاد الأوزّ والدجاج وغيرهما. ويخبّىء ما لا يأكله في مكان أمين، يعود إليه عندما يشعر بالجوع. والكلب الأليف الذي يعيش داخل المنازل ليس في حاجة إلى توفير الطعام، ولكنّ غريزته الموروثة من أجداده تدفعه أحيانًا إلى أن يحمل قطعة من العظم ويدفنها في أرض الحديقة أو في مكان آخر.
والسنجاب، وهو نوع من الحيوانات القرّاضة، يجمع طوال الخريف ثمار البلّوط وأنواع النوى، ويدّخرها في وكره ليتغذّى بها أثناء الشتاء.
وفي البلاد الواقعة بين المجر وآسيا يعيش نوع من الفئران، له حاسّة غريبة يعدّ بها نفسه إلى وقت الحاجة، فهو يذهب إلى الحقول، ويقطع عيدان القمح بأسنانه القويّة، وينظّف الحبوب من القشور، ثمّ يحملها إلى سراديب محفورة تحت الأرض. ويستطيع الفأر الواحد أن يخزّن نحو كيلين من الحبوب. وفي الشتاء يبحث الفلّاحون عن مخازن هذه الفئران ويحملون ما ادّخرته فيها إلى بيوتهم للانتفاع به.
ويوجد نوع آخر من الفئران يميل بطبيعته إلى أكل الجذور التي تتوافر فيها عناصر التغذية، فيترقّب نضجها، ثمّ يذهب إلى الحقول وينبش الأرض حول الجذر ويقتلعه من النبات، وينظّفه ممّا يعلق به من الشوائب، ثمّ يحمله إلى جحره وهو يمكنه أن يدّخر نحو ثلاثين رطلًا من هذه الجذور.
وتشاهد غريزة الادّخار عند النحل والنمل، وهناك نوع من النمل يتبع في ادّخاره طريقة يقف أمامها العقل البشريّ حائرًا مبهوتًا، فهو يحمل الحبوب إلى مسكنه تحت الأرض، وإذا تركت هناك في الرطوبة والدفء مدّة من الزمن، فإنّها لا تلبث أن تنبت، ولكنّه يمنع استنباتها بوسيلة خفيّة غير معروفة ويعوق نموّها دون أن تموت أو يصيبها التلف. وبعد مضي بضعة أسابيع، يسمح لها بالإنبات، فتنمو ويظهر لها جذر وساق صغيران، وهذا النموّ يستلزم تحوّل جزء من النشا والزلال في الحبوب إلى مادّة حلوة سكريّة. وبعد أن يستمرّ النمو مدّة من الزمن، يقطع النمل السيقان والجذور ليمنع النموّ، ويحمل البذور خارج مسكنه ويعرّضها للشمس لتجفّ ثمّ يعود بها إلى مخزنه وقد أصبحت مادّة حلوة الطعم يتمتّع بها وقت الشتاء.
ويوجد نوع آخر من النمل يقطع أوراق النبات إلى أجزاء صغيرة مستديرة ويحملها إلى بيته، ويعالجها بطريقة لم يكشف سرّها إلى الآن، ويتركها في مكان رطب فتصبح مزرعة صالحة لنموّ الفطريّات التي يستعين بها النمل في غذائه.
ولعلّ في هذه الأمثلة الرائعة التي تضربها الحيوانات والحشرات للإنسان ما يكفي لغرس فضيلة الادّخار فيه فيوفّر في يوم رخائه ما ينفعه في وقت عصيب.
غرائز الحيوانات – محمّد فيّاض-
سلسلة "اقرأ"